فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (48):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [48].
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} وذلك أنه تسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوَّى، فلا يرى فيها عوج ولا أمت. وتبدل السماوات بانتثار كواكبها، وكسوف شمسها، وخسوف قمرها، وانشقاقها، وكونها أبواباً و{يوم} بدل من {يوم يأتيهم} أو ظرف للانتقام أو مقدر بـ اذكر أو لا يخلف وعده.
{وَبَرَزُواْ} أي: الخلائق أو الظالمون من أجداثهم: {للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي: لحسابه وجزائه.
قال أبو السعود: والتعرض للوصفين لتهويل الخطب وتربية المهابة وإظهار بطلان الشرك وتحقيق الانتقام في ذلك اليوم على تقدير كونه ظرفاً له. وتحقيق إتيان العذاب الموعود على تقدير كونه بدلاً من {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} فإن الأمر إذا كان لواحد غلاَّب، كان في غاية الشدة والصعوبة.

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} [49].
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} جمع مقرَّن وهو من جمع في قَرَن- بفتحتين- الوثاق الذي يربط به. أي: قرن بعضهم مع بعض حسب اقترانهم في الجرائم والفساد. فيجمع بين النظراء والأشكال منهم، كل صنف إلى صنف. كما قال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]. وقال: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]، أو: قرنوا مع الشياطين، لقوله تعالى: {لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: 68]، أو قرنت أيدهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال. وقوله تعالى: {فِي الأصْفَادِ} أي: القيود أو الأغلال، جمع صَفَد- بفتحتين- بمعنى القيد أو الغل. والقيد هو الذي يوضع في الرجل. والغُل- بالضم- ما في اليد والعنق وما يضم به اليد والرجل إلى العنق. والجار متعلق بـ: {مُقَرَّنينَ} أو حال من ضميره أي: مصفدين، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} [50].
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ} تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظراً عند العرب، وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران. وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب. وأخبث ما يكون دواء لقبحه لوناً وريحاً، وهو القطران، فإنه أسود منتن الريح.
قال الزمخشري: تطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل، وهي القمص لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران، وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكل ما وعده الله وأوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهده من جنسه ما لا يقادَرُ قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة. فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه. ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه. انتهى.
ويؤيد ما بيناه من أن في الآية إشارة إلى ابتلائهم بجرب جهنم: ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب».
وقد وقفت على رسالة لشمس البلغاء الخوارزمي أنفذها لمن شكا إليه داء الجرب، جاء منها قوله: الجرب حكة مادتها يبوسة وحرارة، ووقود والتهاب، وعسكر من عساكر البلاء تمده القذارة، كما تزيد فيه اليبوسة والحرارة، وعلة تدل على تضييع واجب النفس من التعهد، وعلى التفريط في العلاج والتفقد، تنطق بأن صاحبها ضعيف المُنَّة في التوقي، أسير في يد الحرص والتشهي، غاش لنفسه، قليل البقيا على روحه. وهذه العلة تكسب صاحبها خزياً وحياءً، وتورثه خجلاً واسترخاءً، ينظر إلى الناس بعين المريب، ويتستر عنهم كتستر المعيب. تنفر عنه الطباع، وتستقذره النفوس، وتنبو عن مواكلته العيون. وأقل ما يصيبه أنه يحرم آلة المطاعم وهي يداه، وآلة اللقاء والزيارة وهي رجلاه. ولو لم يكن من دقائق آفاتها ومن عجيب هباتها. إلا أنها تشيخ الفتيان، وتمسخ الإنسان، وتجعله أمِّياً بعد أن كان غير أمِّي، وأعجمياً وليس بأعجمِّي. تنفر عن نفسه نفسُه، وتهرب من فراشه عرسُه، ويتباعد عنه أقرب الناس منه. ثم هي رُبع من أرباع الخذلان وقسم من أقسام الحرمان. قال الشاعر:
أعاذك الله من أشياء أربعة *الموت والعشق والإفلاس والجرب

وما الظن بداء قد سارت به الأمثال وقيلت فيه دون سائر الأدواء الأقوال.
قال أبو تمام:
لما رأت أُختها بالأمس قد خربت ** كان الخراب لها أعدى من الجرب

وقال لَبِيد:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

فجعله رأس الأدواء، ووصفه بأنه غاية البلاء. انتهى. وقوله تعالى: {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} أي: تعلوها وتحيط بها النار التي تمس جسدهم المسربل بالقطران. وتخصيص الوجوه؛ لكونها أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه، كالقلب في باطنه، ولذلك قال: {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 7]، ولكونها مجمع الحواس التي خلقت لإدراك الحق. وقد أعرضوا عنه، ولم يستعملوها في تدبره. كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة، قد ملؤوها بالجهالات. أفاده الزمخشري وأبو السعود.

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [51].
{لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} الجار متعلق بمحذوف. أي: يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي، الخ. والنفس مخصوصة بالنفس المجرمة بقرينة المقام. أو عام للبرة والفاجرة. وعليه فيجوز تعلقه بقوله: {وَبَرزُوْا} وما بينهما اعتراض أو بـ: {ترى}: {إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي: محاسبة الخلائق يوم القيامة؛ لأنه لا يشغله شأن عن شأن. وجميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم، كقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة} [لقمان: 28]، أو المعنى: سريع حسابه، أي: مجيئه كقوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [52].
{هَذَا} إشارة إلى القرآن أو السورة وقوله: {بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} أي: كفاية لهم لما فيه من العظة والتذكير. وقوله: {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} أي: ليخوَّفوا وليوعظوا به عن الجرائم التي أخذ بها الأولون: {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: يستدلوا بما فيه من الحجج والدلائل على أنه لا إله إلا هو. وإنما قدم إنذارهم؛ لأنهم إذا خافوا ما أُنذروا به، دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد؛ لأن الخشية أمُّ الخير كله. أفاده الزمخشري: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} أي: ليتعظ به ذوو العقول، فيقبلوا على ما فيه نجاتهم وسعادتهم.

.سورة الحجر:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} [1].
{الَرَ} تقدم الكلام في مثله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} الإشارة إلى: {الَرَ} لأنه اسم للسورة، أي: تلك السورة العظيمة آيات الكتاب الكامل وآيات قرآن عظيم الشأن، مبين للحكم والأحكام ولسبيل الرشد والغي. من أَبَان المتعدي. أو الظاهر معانيه أو أمر إعجازه، وكونه آية قاهرة من أَبَان اللازم. أو الإشارة إلى آيات السورة، أو إلى جميع آيات القرآن. وتعريف الكتاب للتعظيم والتفخيم، كتنكير {قرآن}. وقوله:

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} [2].
{رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بظهور دينه. وأنه سوف يأتي أيام يتمنى الكافرون بها أن لو سبق لهم الإسلام فكانوا من السابقين؛ لما يرون من إعلاء كلمة الدين وظهوره على رغم الملحدين؛ لأن من تأخر إسلامه منهم، وإن ناله من الفضل ما وعد به الحسنى، ولكن لا يلحق السابقين: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} [الحديد: 10]، وفيه تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم على الصدع بالدعوة والصبر عليها،، لما أن العاقبة له. وإنما جيء بصيغة التقليل جرياً على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، ترفعاً واستغناءً عن التصريح بالغرض بناءً على ادعاء ظهوره.

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [3].
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} أي: بدنياهم وتنفيذ شهواتهم: {وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} أي: يشغلهم عن التوبة والتذكير، أملَ استقامة الحال. وأن لا يلقوا إلا خيراً في المآل: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي: لمن تكون له العقبى.
قال الزمخشري: فيه تنبيه.
ثم بيَّن تعالى سر تأخير عذابهم بقوله:

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} [4].
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} أي: أجل مقدر ليتأمل في أسباب الهلاك ليتخلص عنها، وذلك بما قام من الحجة عليها، بتقدم الإنذار وتكرره على سمعهم.

.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [5].
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي: لا تهلك قبله: {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} أي: عنه؛ للزوم الحجة وارتفاع الأعذار. ثم أخبر تعالى عن عتوهم في كفرهم بقوله:

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [6].
{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} أي: يا أيها المدعي ذلك! إنك لمجنون في دعائك إيانا إلى اتباعك، وترك ما وجدنا عليه آباءنا. أو في دعواك تنزيل الذكر. أو نادوه بذلك استهزاء وتهكماً. أو هو من كلامه تعالى تبرئة له عما نسبوه إليه من أول الأمر.

.تفسير الآيات (7- 8):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ} [7- 8].
{لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي: هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك كقوله: {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} [الفرقان: 7]، وقول فرعون: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53].
ثم أشار إلى جواب مقالهم، ورد مقترحهم بقوله تعالى: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} أي: عليهم فيأتونهم ويشاهدونهم: {إِلاَّ بِالحَقِّ} أي: الحكمة التي جرت بها السنة الإلهية، وهو العذاب: {وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ} أي: مؤخرين. كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} [الفرقان: 21- 22].
ثم أشار إلى رد إنكارهم التنزيل مع تسلية وبشارة عظيمة، بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (9):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [9].
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: من كل من بغى له كيداً. فلا يزال نور ذكره يسري، وبحر هداه يجري، وظلال حقيَّته في علومه تمتد على الآفاق، ودعائم أصوله الثابتة تطاول السبع الطباق، رغماً عن كيد الكائدين، وإفساد المفسدين: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]، وفي إيراد الجملة الثانية اسمية، دلالة على دوام الحفظ.

.تفسير الآيات (10- 11):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [10- 11].
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} أي: رسلاً: {مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} أي: فرقهم وطوائفهم. جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على مذهب وطريقة. و{الأولين} نعت لمحذوف. أي: الأمم. أو الكلام من إضافة الصفة للموصوف.
{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} أي: كما يفعله هؤلاء المشركون.

.تفسير الآيات (12- 13):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [12- 13].
{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} أي: الذكر المنزل: {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي: الكافرين وقوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: بالذكر. حال من ضمير {نسلكه} أي: مكذَّباً مستهزأ به غير مقبول.
قال الزمخشري: كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت: كذلك أنزلها باللئام. تعني مثل هذا الإنزال أنزلها بهم، مردودة غير مقضية. وقيل الجملة بيان لما قبلها. وجوز في ضمير {نسلكه} أن يعود إلى الاستهزاء والتكذيب المعلوم. وقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} استئناف جيء به تكملة للتسلية، وتصريحاً بالوعيد والتهديد. أي: قد مضت السنة فيهم من هلاكهم، وزهوق باطلهم، ونصر الرسل وغلبة جنود المؤمنين عليهم واستعمارهم ديارهم، ثم بيَّن تعالى أنهم لا يتركون الاستهزاء بالرسل وإن أتتهم الآيات التي تشبه الملجئة لقوة عنادهم وبغيهم، بقوله تعالى: